ماذا تغير فى مجتمع الإخوان؟
نشر فى : الأربعاء 27 مارس 2013 - 11:15 ص
آخر تحديث : الأربعاء 27 مارس 2013 - 11:15 ص
المقاطعة اختفت وظهر بديع والشاطر مع السلع الأمريكية
الأفراح الإسلامية تحولت من «الفصل» إلى أفراح مختلطة
بنات الإخوان تخلين عن الخمار لصالح «الإيشارب»
الأناشيد الإسلامية تغيرت من «لبيك إسلام البطولة» إلى «هانرقصكم على بوم تيك».. وأول شريط إسلامى بالموسيقى حمل فتوى القرضاوى
المتحدث باسم الجماعة: التغيرات أمر طبيعى.. وأسبابها ثقافية وليست دينية.. ونرفض بعضها كالتساهل فى مواصفات الحجاب
3 أسباب ساهمت فى تغير الإخوان:
الرغبة فى جذب الأنصار والمحبين
أفكار الشيوخ الوسطيين
انفتاح الشباب على المجتمع
مسئول الأبحاث بمركز دراسات الفكر: موجة التحول الأولى عند الإخوان كانت فى السبعينيات بالابتعاد عن أفكار حسن البنا الوسطية لصالح نسخة أكثر تشددًا
«حركة إخوان أخرى غير التى كنا نعرفها قبل عقدين أو ثلاثة، حتى ولو تواطأ على الإبقاء على الصورة القديمة الأنصار والخصوم»، كتب الباحث الراحل حسام تمام الباحث فى شئون الإسلام السياسى، هذه الكلمات فى مقدمة كتابه «تحولات الإخوان المسلمين» الصادر عام 2010، متحدثا فى وقت مبكر عن ملامح التغيرات الاجتماعية بالجماعة، والتى يتم إهمالها دائما لصالح التركيز على الأبعاد السياسية.
بعد 3 أعوام، وبعد وصول الجماعة إلى الحكم، برزت تلك التغيرات التى تحدث عنها تمام فى كتابه، وأصبحت أوضح بكثير، «الشروق» رصدت ظاهرة التغير الاجتماعى الذى طرأ على الجماعة خاصة بعد نجاح الدكتور محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية، وتحدثت مع أعضاء سابقين وحاليين بالجماعة، عن التغيير فى شتى مناحى الحياة الاجتماعية من الأناشيد الإسلامية، والسينما، ومقاطعة السلع الأمريكية، وحتى العلاقة بين الجنسين.
فضيلة المرشد يأكل فى مطعم أمريكى
لم يكن أحمد أبوخليل يتوقع أن تحمل رؤيته للمرشد يوما ما كل هذا الحزن.
أحمد أبوخليل، ناشط إسلامى، وعضو الإخوان سابقا، ومؤلف كتاب «يوما ما كنت إسلاميا» كان موجودا بالصدفة لحظة المشادة التى جرت بين المرشد وبين أحد الشباب فى أحد المولات الشهيرة بالقاهرة.
رغم معارضة أبوخليل لتصرف الشاب، لاحترامه حق المرشد فى خصوصية حياته الشخصية، إلا أنه شعر بالحزن الشديد من المشهد، أولا لأن الأداء السياسى للإخوان واختلاطه بالنشاط الدعوى، هو ما أدى إلى تشويه الفكرة الإسلامية فى أوساط كثيرة، وجعل هناك موقفا سلبيا من المرشد.
«السبب الثانى لحزنى هو أنى تذكرت أياما كان الإخوان فيها ينصحوننا بالابتعاد عن المقاهى والمولات لأنها مواطن شبهات واختلاط، كما كنا ملتزمين بشكل صارم للغاية بمقاطعة السلع الأمريكية وأشهرها المشروبات الغازية، وكنا نوزع قوائم المقاطعة بكل حماس فى الجامعات والمظاهرات، هذا الخطاب اختفى تدريجيا بيننا، حتى ظهرت صور خيرت الشاطر فى افتتاح سلسلة «زاد» يمسك بيديه «كانزات» مشروبات غازية أمريكية، وأشاهد اليوم المرشد داخل مطعم أمريكى. شعرت بمدى التغير الذى حدث لنا جميعا».
رغم خروجه من الإخوان، مازال أبوخليل يصنف نفسه منتميا للفكرة الإسلامية خارج الأطر التنظيمية، وهو يرى أن التطور أصاب الإسلاميين جميعا بشكل عام بسبب تغير ظروف الزمن الذى يؤدى للمزيد من الانفتاح والتأثر بفعل وسائل الاتصال الحديثة، وإن كان التأثير على الإخوان أكبر بحكم انغماسهم فى العمل السياسى والعام منذ ما قبل الثورة.
كتب أبوخليل كتابه «يوما ما كنت إسلاميا» ليجمع فيه مشاهد من تربيته الإسلامية والإخوانية القديمة، ويرصد ملامح التحول التدريجى الذى بدأ قبل الثورة، وتسارع بعدها. يكتب فى خاتمة كتابه متحدثا عن حنينه لهذه الأيام، وعن تأثير الثورة على جيله من الإسلاميين:
فى تلك الأيام كان الإخوان يحلقون لحاهم خوفا من الاعتقال، ويؤكدون أنه فى ظل الحرية لن يكون هناك إسلامى وحليق فى نفس الوقت.. فى تلك الأيام كنا نستمع إلى إيقاعات موسيقية جديدة دخلت على بعض الأناشيد على استحياء.. فى تلك الأيام كان الحديث عن حلم الخلافة كأنه قاب قوسين أو أدنى، كان الحديث عن الأمة لا الدولة.
فى تلك الأيام كان الخمار زيا رسميا للأخوات، وتستطيع بسهولة أن تميز الأخت المنتقبة إذا كانت سلفية أو إخوانية، فالمنتقبات الإخوانيات يلبسن النقاب الملون لا الأسود، وكنت تستطيع أن تفرق بين أخ وأخت يقفون للضرورة فى حديث خاطف بالجامعة وبين الآخرين، كأنهما يحدثان شخصا ثالثا، ينصبان عمودا وهميا ينظران إليه حال الحديث، فلا تقع عينه فى عينها إلا لماما.
فى تلك الأيام كان التلفاز يفتح فى بيوتنا ساعة فى الصباح لبرامج الأطفال، وساعة فى المساء لنشرة الأخبار، وساعة إضافية فى يوم الجمعة للشيخ الشعراوى، كانت مشاهدة الأفلام لا تصلح إلا أن تكون وحدك تماما، لأن «كل أمتى معافى إلا المجاهرون».
كان السهر معيبا، والفجر فى المسجد سمتا، والجلوس لـ«الشروق» عزيمة، وشارب الدخان ولابسة البنطال لا تخيل لوجود هؤلاء بيننا!
جاءت الحرية، ولم يطلق الإخوان لحاهم. تعرفت على أصدقاء إسلاميين جدد نجلس على المقهى، ويدخن بعضهم الشيشة. لم تعد تسعنا الحسبنة على الفاسدين. يذكرنى آخر بأنه «لا غيبة لفاجر»، وننطلق فى سير الأولين والآخرين.
يخبرنى مطلع على الفقه أن الرسول (ص) جمع بين فرضى الصلاة فى غير سفر ولا مطر، فيصبح المغرب والعشاء سواء: مجموعين أم فى أوقاتهما.
يمتلأ هاتفى بأرقام الأخوات، يغنى حمزة نمرة للأمل والإنسان وأبلة عطيات، لا أعثر على أغنية واحدة بالفصحى، ولا واحدة عن الحجاب أو الأمة أو الجهاد فى أفغانستان، ولا حتى فى أى مكان آخر. نتوافق على وضع «فيروز» ضمن قائمة المفضلات فى تعريف أكثرنا على فيس بوك.
ندمن السهر ويصبح الفجر فى المسجد مسألة ظروف، يختفى الشباب الذى يُربى النشء الصغير من المسجد، يشترك فى الأعمال التطوعية والمشاريع الثقافية والحملات الانتخابية، لا يقطع أحدهم اجتماعات أى هذه الكيانات العظيمة قبل المغرب بدقائق لأذكار المساء، ولا قبل البدء لتجديد النية. أحن لمن يصارحنى أو أصارحه فى رسالة قصيرة: «إنى أحبك فى الله».
نتحدث عن التنمية الاقتصادية، والتجربة «الربوية» الرائعة فى تركيا وماليزيا، ونتجاهل منظومة الأوقاف أو توظيف الأموال.
نهاية عصر الأناشيد الإسلامية
«الأناشيد الإسلامية مرت بعدة مراحل تطور، من الأناشيد الجهادية حتى وصلنا إلى مرحلة حمزة نمرة» يقول أحمد صفوت، باحث بشركة انتاج أفلام وثائقية، وعضو جماعة الإخوان سابقا، وكذلك كان عضوا بأحد فرق الأفراح الإسلامية.
«فى الماضى كانت الأناشيد تتميز باستخدام اللغة العربية الفصحى ذات الألفاظ الصعبة، وتركز على معانى كبرى كالجهاد ووحدة الأمة».
يتذكر صفوت نماذج من كلمات أناشيد قديمة «لبيك اسلام البطولة كلنا نفدى الحما.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما».
حدث التغيير تدريجيا منذ التسعينيات، وظهرت على يد بعض فرق الأفراح الإسلامية أناشيد بالعامية المصرية، مع ألحان أكثر بهجة واستخدام واضح للدف والطبل، مثل «يا جماله يا جماله.. ده عريسنا ما بين أحبابه.. هيأسسوا بيت على تقوى الله.. وهيبنوا حياة على شرع الله»، «شباب إخوان مية المية.. شباب دعوتهم عالمية.. دول هما شباب الإخوان.. جايين بيهنو العرسان».
امتد التأثير لظهور أغانٍ مبسطة تخص نفس المعانى الكبرى القديمة مثل أناشيد «بأحلم لو عاد الإسلام يحكم من تانى.. ويخلى صحارى الأوطان خضرة وأمانى»، «عاش إسلامنا عالى يحكم أوطاننا».
على استحياء بدأت الموسيقى تظهر فى بعض الشرائط رغم معارضة الكثيرين من الجيل الأقدم. كان ظهور مصطفى محمود مع فرقة «الوعد» تحولا كبيرا، فقد استخدم الموسيقى على نطاق واسع للمرة الأولى، وحمل شريطه «قلب كبير» فتوى القرضاوى التى تنص على تحليل استخدام الآلات الموسيقية داخل «بامفلت» الشريط، ليواجه موجة الرفض الكبيرة التى حدثت. وصل مصطفى محمود إلى غناء كلمات مبسطة للغاية وأقرب للأغانى العادية جدا مثل «إحنا الوعد ووش السعد.. وهنرقصكم على دوم تيك»، و«أقولك إيه وانتى كل ما ليا»
«آخر سلسلة هذا التطور هو حمزة نمرة، ليس عضوا فى الإخوان ولا تحمل أغانيه معانى أيدلوجية إسلامية، وكل ما يميزه عن الغناء العادى توسعه لمواضيع حياتية أبعد من الغناء العاطفى، وعدم ابتذاله فى الكلمات» يقول صفوت.
الاختلاط وصل إلى الأفراح الإسلامية
«فى طفولتى كانت أفراح الإخوان مختلفة تماما عن وضعها الحالى» يقول أحمد صفوت، مشيرا إلى أن الأفراح فى الماضى كانت يتم بها الفصل الكامل بين الجنسين، والاختفاء الكامل للعروس.
«كان يتم حجز قاعتين منفصلتين، وأحيانا كل واحدة منهما فى طابق مختلف أو مبنى مختلف، ويتم عمل فرحين منفصلين تماما أحدهما للرجال والآخر للنساء، ولا يجتمع العروسين إلا فى الزفة، وخلالها تخفى العروس وجهها تماما بطرحة بيضاء كى لا يرى أحد استخدامها «الميك أب».
اختلف الوضع حاليا تماما، وأصبحت أفراح الإخوان تتم فى نفس القاعات العادية، وبأسلوب الاختلاط العادى حيث تجلس العائلات مع بعضها، ولا مشكلة فى اجتماع العروسين ورؤية الناس لهما.
«حدث اختلاف آخر فى مستوى الأفراح، فقد كانت فى الماضى تتصف بالبساطة الشديدة وعدم التكلف حتى لو كانت عائلة العريس مقتدرة ماديا، بينما حاليا أصبحنا نرى بعض قادة الإخوان يعقدون أفراح أبنائهم فى أفخم الفنادق» يقول صفوت.
الخمار الإخوانى اختفى فى ظروف غامضة
«خلعت الخمار فى آخر سنواتى بالجامعة، وفضلت ارتداء «طرحة لف» لأكون أقرب لشكل زميلاتى العاديات، ولست مميزة بكونى إخوانية»، تقول (ن. أ.) خريجة كلية التجارة، والعضوة الحالية بالجماعة مشيرة إلى ضيقها من تصنيف زميلاتها لها فورا بانتمائها الاخوانى من مجرد مظهر الخمار، واتخاذ بعضهم مواقف منها بناء على هذا الانتماء، سواء خوفا من الملاحقة الأمنية أو من تشدد محتمل لآرائها.
«بشكل عام أصبح الإخوان فى السنوات الأخيرة قبل الثورة وخاصة منذ انتخابات 2005 أكثر انفتاحا، وأكثر ميلا للاقتراب من المجتمع وعدم الاختلاف عنه مادام ذلك فى إطار الحدود الشرعية، لذلك أصبحت البنات ترى أن الحجاب مادام يلتزم بكونه «لا يصف ولا يشف»، فلا داعى للتمسك بشكل معين له يميزنا بشكل واضح عن رفيقاتنا، وقد يصعب علينا مهمة الدعوة»
تشير ن. أ إلى أن الموضوع به اختلاف اجتماعى، فالتغير حدث فى المدن بشكل رئيسى، حتى إن كل بنات إخوان القاهرة والإسكندرية تقريبا قد تخلين عن الخمار التقليدى لصالح الطرحة اللف أو الإيشارب الطويل، ولم يعد هناك من يرتدى الخمار إلا عدد قليل للغاية من الفتيات، منهن بنات المهندس خيرت الشاطر.
لكن الخمار التقليدى القديم مازال منتشرا وسط بنات الإخوان فى الأقاليم والأرياف خارج القاهرة، وكذلك موجود بنسبة كبيرة فى فئة الأمهات من الجيل الأقدم، لذلك ترتديه زوجة الرئيس مرسى.
الأخ «فلوطة» أصبح نموذجا مقبولا
كان فيديو صبحى صالح وهو يتحدث فى مؤتمر إلى الإخوان ساخرا من الأخ الذى يفكر بالزواج من غير إخوانية، واصفا إياه بأنه «أخ فلوطة» نموذجا للعقلية التى تحكم بعض أفراد الجيل الإخوانى القديم.
صبحى صالح الذى قال مستنكرا: «الرجل المتدين يسيب الواحدة كاملة الإيمان ومتدينة، ويجيب واحدة من على الرصيف عشان هو حبها؟ هل هذا جائز؟» لم يعد معبرا عن عموم النظرة الإخوانية وما يحدث فى الواقع حسب كلام أحمد أبوخليل.
يبدأ أبوخليل حديثه بالتأكيد على أهمية عدم التعميم فى هذا الموضوع سواء فى الماضى أو الحاضر، لأنه دائما تختلف كل حالة وكل عائلة عن غيرها بطبيعة الحال، «يمكننى القول بشكل عام أن الإخوان والإسلاميون يفضلون الزواج بمن يقاربهم فكريا بطبيعة الحال كما يحدث فى المجتمع كله حيث يبحث كل فرد وكل عائلة على من يشبهه، لكن ما اختلف فى أسلوب الزواج هو أنه لم تعد الطريقة الوحيدة هى أن يذهب الأخ إلى والدته أو مسئوله طالبا ترشيح أخت لم يرها ولا يعرف عنها أى شىء، بل قد يطلب خطبة أخت معينة بالاسم، أو فتاة ملتزمة من خارج الإخوان».
يشير أبوخليل إلى أن موقع «فيس بوك» والمنتديات من قبله أتاحت فرصا كبيرة للتعارف بين الشباب والفتيات فى إطار من الاحترام والنقاش الفكرى، وكذلك الأنشطة العامة المختلطة ذات الهامش الإسلامى، مثل مؤتمرات عامة عن الأندلس أو فلسطين، وكذلك أنشطة الثورة.
تتفق معه (ن. أ.)، وتشير أيضا إلى أن رأى البنت فى زواجها أصبح عاملا أكثر أهمية، ويمكن لها أن ترفض من تريد أو تتمسك بقبول من تريد، والمعتاد أن العائلة تتفهمها وتستجيب لها، وأصبحت البنت بدورها تضع عوامل أخرى فى اختيار شخصية من تقبله، لا مجرد كون الجماعة تزكيه فقط.
السينما حلال
«فى الماضى كانت فكرة الذهاب إلى السينما من حيث المبدأ أصلا مرفوضة تماما، لأن الصورة النمطية عنه كانت أنه مكان مشبوه يمتلئ بالشباب الفاسد» يقول أحمد صفوت، ويحكى عن أحد أصدقائه قالت له أمه أثناء شجار على ذهابه للسينما «لو ترضى تموت فى السينما، وربنا يبعثك يوم القيامة على ذلك يبقى روح».
تغيرت هذه النظرة عند بعض فئات الإخوان، وأصبح من الممكن أن تذهب بعض العائلات الإخوانية بأكملها لمشاهدة فيلم لا توجد به لقطات خارجة.
«ظهور سينما المولات بطابعها العائلى وضمان مستوى روادها كان من العوامل المؤثرة، بالإضافة إلى أن الشباب طرحوا على أهلهم بشكل منطقى فكرة أنه لا فارق بين مشاهدة نفس الفيلم فى المنزل ومشاهدته فى السينما، فالمعيار هو قصة الفيلم ومشاهده» يقول صفوت مشيرا إلى معرفته بقيادى شهير استجاب لطلب أبنائه وذهب معهم إلى فيلم «اللى بالى بالك».
لماذا تغير مجتمع الإخوان؟
«نحن نعيش الآن الموجة الثانية من التغير الفكرى والاجتماعى لجماعة الإخوان، وفى المرتين كانت الأسباب سياسية واجتماعية» هكذا يبدأ أحمد عبدالحميد حسين، مسئول الأبحاث بمركز دراسات الفكر، وعضو الجماعة السابق، حديثه مشيرا إلى أن الموجة الأولى من التحول حدثت فى السبعينيات، حين بدأت الجماعة فى الابتعاد عن أفكارها الوسطية الأصلية التى نادى بها حسن البنا، لصالح نسخة أكثر تشددا ومحافظة.
«حدث هذا التأثير نتيجة 3 أسباب، أولها التأثير الوهابى القادم من السعودية مع المصريين العائدين من هناك، ومع الشيوخ المدعومين من هذا التيار، والسبب الثانى هو سيطرة مجموعة التنظيم الخاص الأكثر انغلاقا على قيادة الجماعة منذ عهد المرشد مصطفى مشهور، والسبب الثالث هو أن الجماعة تلاقت مع جيل الصحوة الاسلامية الذى نشأ فى الجامعات بشكل تلقائى كرد فعل على هزيمة 67، وكانت تشوبه فكرة القطيعة الكاملة مع الوسط الاجتماعى والثقافى القائم، خاصة أنه كان تحت سيطرة التيارات الشيوعية التى سادت فى عهد عبدالناصر».
يرى عبدالحميد أن الموجة الجديدة الحالية من الانفتاح والتقارب فى الممارسات الاجتماعية بدأت مع التضييق الأمنى على الحركة الإسلامية فى عهد مبارك، فأصبح الإخوان بحاجة إلى جذب الناس إليهم وتبسيط أفكارهم، ظهر ذلك فى تحول كلمات الأناشيد إلى العامية البسيطة.
«باستمرار كان هناك مقاومة فكرية من داخل الإخوان لتيار التشدد باستدعاء أدبيات شيوخ من التيار الوسطى المنتمين للجماعة كالقرضاوى والغزالى، لكن العامل الأكبر الذى دخل على الخط ليس مواجهة فكرية تنظيمية، بل أدوات العولمة الحديثة، ويضرب عبدالمجيد مثلا بحملات المقاطعة التى كانت فى الواقع تبدأ وتنتهى مع كل موجة انتفاضة، بدون التركيز على أبعاد أكثر عمقا واستمرارا كتأثير الشركات متعددة الجنسيات على الاقتصاد الوطنى واستقلاله.
«فشل التيار الاسلامى فى تقديم بديل شعبى حقيقى كان عاملا آخر فى عودته إلى منظومة المجتمع العادى، فلا يوجد نشيد اسلامى أو عمل فنى إسلامى يمكن اعتباره نجح شعبيا ووصل لكل الناس بالفعل، بل كان دائما معزولا فى مجتمعه الخاص»، يقول عبدالحميد.
«الإنسان بطبيعته ابن بيئته، وكما أثر الإخوان تأثيرا كبيرا فى المجتمع المصرى، كفضلهم فى عودة الحجاب إلى بنات مصر، وعودة انتشار الحج والعمرة، وظهور العمل الطلابى الإسلامى بعد أن كانت الجامعات تحت سيطرة الماركسيين والشيوعيين، فقد تأثر الإخوان بدورهم بالمجتمع» يقول الدكتور أحمد عارف، المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان، مشيرا إلى أن هذه التغيرات تعبر عن تغيرات ثقافية، وليس تغييرا دينيا فى ثوابت الجماعة.
الجماعة ليس لديها خيارات فقهية تفصيلية، وكل عضو حر فيما يختاره لنفسه وأسرته من اجتهادات الفقهاء وأهل العلم، وفقا لقاعدة «لا إنكار فى مواطن الخلاف».
لكن عارف لا ينسى أن يؤكد عدم قبول الجماعة بكل التغيرات، «بعض المظاهر نقف أمامها بشكل حاسم، مثل تخفف بعض بناتنا من بعض المواصفات الشرعية للحجاب، هذا سلوك غير لائق ويتم توجيهه بشكل تربوى، كى لا ننساق لمظاهر لا ينبغى للاخت المسلمة أن تكون عليها، وأيضا بعض الأغانى نرفضها لأنها تحمل إطارا مخالفا للصبغة الإسلامية، وتحمل أمور ننكرها، دون الدخول فى تفاصيل الحلال والحرام».
ويفسر عارف تراجع مظاهر مقاطعة السلع الأمريكية بأنه حدث بشكل طبيعى غير متعمد، لظهور قضايا أخرى فى بؤرة الأحداث، فالسنوات الأخيرة منذ ما قبل الثورة كان التركيز فيها عند الإخوان وغيرهم بطبيعة الحال على الإصلاح السياسى المصرى. وردا على سؤال عن ظهور ذلك التراجع حتى عند شخصيات بوزن خيرت الشاطر والمرشد محمد بديع، قال عارف: «مواقف الأشخاص تختلف وتتقدم أو تتأخر، ولكل شخص اجتهاده ويُسأل عن نفسه، ولكن هذا لا يؤثر على مبادئ الجماعة، وموضوع المقاطعة مطروح للنقاش والمراجعة، وسنتخذ قرارا فيه، مع مراعاة التوازن بين المصالح والمفاسد».
يختم عارف حديثه بقوله: «الحفاظ على المبادئ التربوية والسلوكية هو الأساس، وليس اختلاف الأشكال والألوان والتفاصيل»