في هذه اللحظة الضبابية التي تعيشها مصر وهي تنتظر رئيسها القادم يقف الفنانون عين هنا وعين هناك، مرة يقولون «مرسي» وأخرى يقولون «شفيق».. لكن من الواضح أن جبهة «شفيق» نجحت أكثر في الوصول إليهم واستقطابهم.
بين الآراء المعلنة والمباشرة في جبهة «شفيق» ستجد هالة صدقي وإلهام شاهين وطلعت زكريا وسوسن بدر ويسرا وعمرو دياب ونور الشريف وعمرو سعد يؤازرونه، وكانوا في زيارة إلى فيلته لا تحتمل سوى إعلان التأييد المطلق.. بينما عدد قليل من الفنانين أعلنوها بصراحة أنهم مع «مرسي»، مثل أحمد عيد. قطاع وافر من الفنانين التزموا الوقوف على الحياد وقرروا المقاطعة رافضين «مرسي» و«شفيق»، مثل خالد يوسف ومحمد العدل.
بعض الفنانين لا يريدون أن يتورطوا في معركة مع معجبيهم وجمهورهم فيؤثرون السلامة، لكن المؤكد أن كل من كان له خيط يربطه بالنظام السابق لا يمكن سوى أن يمنح صوته لشفيق.. مثلا عادل إمام هل من الممكن أن نصدق أنه يقف على الحياد؟.. المؤكد أن «شفيق» هو الاختيار المناسب له.
وهم يقولون مبررين ذلك «نحن نبحث عن الحرية.. من الذي يسمح لنا بتقديم إبداعنا سوف نتوجه لاختياره»، وحيث إن التجارب مع تيار الإخوان تؤكد أنهم يناصبون الإبداع الفني العداء فإن أغلب الفنانين مع «شفيق».. وفي معادلة متعجلة يقولون «ألبس بلوفر أربع سنين بدلا من جلباب طول العمر».. طبعا تختار بلوفر «شفيق» الكحلي.. لكن هل بلوفر «شفيق» 4 سنوات فقط؟.. إنها معادلة خاطئة يصدرونها للرأي العام، وعدد من الفنانين يرددها وهو يعلم أنها خاطئة، لكنه يغازل «شفيق»!! الحقيقة أننا لسنا في صراع بين دولة دينية يمثلها «مرسي» ودولة مدنية يمثلها «شفيق»، لكن دولة دينية ودولة عسكرية لها مذاق بوليسي.. «مرسي» وراءه شبح اسمه دولة على غرار «ملالي» إيران تُخضع كل شيء للحلال والحرام من الإبداع الفني حتى رغيف العيش.. «شفيق» يريدها دولة عسكرية ولن يسمح العسكر بالديمقراطية.. إنها في النهاية دولة السمع والطاعة سواء توجهت للمرشد أو للفريق!! العديد من الفنانين والمثقفين يقولون لك سوف أمنح صوتي لشفيق بكل ما يمثله من خضوع لنظام مبارك، أليس هو القائل بأن مبارك مثله الأعلى بحجة أنه لن يقترب من حرية التعبير؟.. بينما أقصى ما يمكن أن يعلنه «مرسي» في إطار تلك الحرية هو أن يقول لك أنا مع حرية التعبير إلا ما يخالف شرع الله، وتحت بند شرع الله يمنع كل شيء.
بالفعل لن ترحب أي دولة دينية بحرية التعبير، لكن من قال إن الدولة العسكرية تسمح بالحرية؟.. مع الأسف قسط وافر من الفنانين يتصور أن الحرية تعني مشهدا به قبلة أو «مايوه» أو تعاطي خمور، و«شفيق» لن يقترب من هذه المشاهد هذه حقيقة، لكن «مبارك» كان يسمح في عهده بذلك فهل كانت هناك حرية؟.. الأفلام التي حملت وجهة نظر سياسية كانت في نهاية الأمر تعلن تأييدها لمبارك، مثل «طباخ الرئيس».. أقصى ما كان يحلم به العمل الفني الذي كانوا يصفونه بالجرأة هو أن يقول بأن حاشية الرئيس تحجب عنه آراء الناس بينما «مبارك» يحب الشعب. هل تتذكرون نهاية فيلم «زواج بقرار جمهوري» عندما حضر «مبارك» فرح بطلي الفيلم هاني رمزي وحنان ترك الذي أقيم فوق سطح العمارة؟.. كما أن كل الأفلام التي توجهت للفساد أو التطرف الديني لم تقدم أبدا ما يشير إلى تورط النظام في زرع مناخ التطرف والفساد، ولم يجرؤ أي عمل فني في عهد مبارك على أن ينتقد أو حتى يشير إلى توريث الحكم إلى «جمال» على الرغم من أن الكل كان يعلم أنه السيناريو القادم.
«التيمة» الرئيسية في الدراما بعد الثورة سوف تتناول الثورة وما يجري وما جرى فيها.. هل من الممكن أن تصرح الدولة العسكرية بعمل فني ينتقد «المشير» أو «الفريق»؟.. هناك ولا شك اتهامات بعضها طال المشير والمجلس العسكري والفريق «شفيق» في موقعة مثل التي اشتهرت إعلاميا باسم «الجمل»، فهل من الممكن أن نصدق مثلا أن الرقابة على المصنفات الفنية في عهد «شفيق» توافق على أن ينتقد أحد صمت «شفيق» المريب تجاه تلك الصفقة، أو تسمح حتى ولو من بعيد لبعيد بتوجيه اتهام له أو للمجلس العسكري، بينما في كل أحاديث «شفيق» لا تجد سوى ترحيب ودفاع مستميت عن المجلس العسكري؟
يتم الآن إعداد عشرات من الأفلام التسجيلية والروائية التي تتناول فترة حكم المجلس العسكري التي بدأت فعليا منذ أن تنازل مبارك مجبرا عن الحكم في 11 فبراير (شباط) وأسند إدارة شؤون البلاد إلى المجلس العسكري.. فهل سيوافق «شفيق» في عهده على أي عمل فني يطال المؤسسة العسكرية التي رشحته وساندته وتواصل تعضيده حتى يصل إلى كرسي الحكم؟! من يريد أن يمنح صوته لشفيق فعليه أن يكون واضحا، فهو يفضل الدولة العسكرية لو كان المقابل هو الدولة الدينية، لكنه لا يختار الحرية في مقابل القيد.
الخطر واحد.. أن يحكمني «كاكي» أو «جلباب» الاثنان مرفوضان وبنفس الدرجة، ومن يقول إن بلوفر «شفيق» سوف يغادر الحكم بعد 4 سنوات أقول له منذ ثورة 52 وعلى مدى 60 عاما وهم متشبثون بالسلطة، والآن سوف يتشبثون بها أكثر لسبب واضح ومباشر وهو أن هناك محاكمات تطال الجميع، ووصلت إلى قائدهم الأعلى.. السلطة هي التي تمنحهم حصانة أمام القانون.. المجلس العسكري يريد تسليم السلطة لشفيق، وفي الوقت نفسه يسعى لأن يتم ذلك في إطار شعبي بإرادة الناس.. وهكذا تم تصدير تلك المعادلة الزائفة، ويشارك فيها بعض الفنانين والمثقفين، وهم ينتظرون مكافأة من الحاكم العسكري القادم. يعدد لك بعضهم كل عيوب الجلباب واللحية ولا يذكر شيئا عن البلوفر.
المجتمع المصري تستطيع أن ترى أنه على الرغم من عدم ترحيبه بشفيق رئيسا فإنه ينظر إلى الجزء الثاني من المعادلة وهم «الإخوان» هل يمنحهم صوته؟.. «شفيق» يدخل المعركة الانتخابية ولديه ولا شك قطاعات تؤيده، منها على سبيل المثال كل من يعمل بالسياحة حيث إنهم أضيروا و«شفيق» وعدهم بأن يعيد الأمن في الشارع خلال 24 ساعة، وهو لن يضع أي قوانين أو قيود قانونية تعوق تدفق السياح إلى مصر.. كل أهالي الجيش والشرطة يشعرون بأن «شفيق» سوف يعيد إليهم اعتبارهم.. كل من ارتبط بالعهد السابق يرى في الفريق فرصته الذهبية.. كل من أضير بسبب الثورة سيمنح صوته لشفيق.. كتلة الأقباط بالتأكيد هي مع «شفيق» الذي وعد مؤخرا في أحد البرامج بأنه في مادة اللغة العربية المقررة على الطلبة وعلى الرغم من ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم ولهذا كثيرا ما تجد آيات قرآنية تتخلل كتاب اللغة العربية، فإنه وعد بأن يضع أيضا آيات من الإنجيل، وسوف تتوجه الكتلة التصويتية إليه من أغلبية الأقباط في الداخل والخارج.
أسلوب المقاطعة أو إبطال الصوت اللذان سوف تنتهجهما أغلب الكتلة الثورية سوف يصبان في صالح «شفيق»، لأن الفنانين سوف يتوجه أغلبهم إلى «شفيق» بحجة أنه سوف يحول دون تدخل الرقابة في ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية، فلا مشهد عاطفي ولا نكتة ولا مشهد تعاطي مخدرات أو خمور من الممكن أن تطالها يد ومقص الرقابة لو حكم «شفيق»، بينما رقابة «مرسي» ترفض أن تسمح بأي مشهد من هذا القبيل.
ورغم ذلك فإن الحقيقة هي أن حرية التعبير ستظل دوما مهددة بين الجلباب والبلوفر.. وشعار الفنانين أثناء الانتخابات سيصبح: نار «شفيق» ولا جنة «مرسي»!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق