تحليل مهم للمفكر الكبير جلال امين
حجم الفساد وطبيعته ليسا السبب الوحيد لتغيير النظرة إلى الديمقراطية فى مصر. فخلال الأربعين عاما الماضية حدث تطور آخر لابد من الاعتراف به ومصارحة أنفسنا به رغم ما يمثله من حساسية لطائفة كبيرة من المصريين، وهو انتشار ما يمكن تسميته «بالتفسير اللا عقلانى للدين». الدين عزيز علينا جميعا، وهو جزء من تراثنا الغالى، بل ويسرى فى دمائنا، مسلمين كنا أم أقباطا. ولكن ما لا أمل قوله وتكراره هو أن الدين شىء والتدين شىء آخر. الدين ثابت لا يتغير ولكن التدين أشكال وألوان. تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية لا يحدث أى تغيير فى الدين، ولا يمسه من قريب أو بعيد، ولكن لماذا لا نريد أن نعترف بأن تغير هذه الظروف يمكن أن يحدث تغييرات بالغة الأهمية فى شكل التدين، وفى طريقة فهم الدين، وفى ترتيب الأولويات التى نتبناها فى النظر إلى أوامر الدين ونواهيه، وفى نظرنا وطريقة معاملتنا لأصحاب الأديان الأخرى؟ هل قوة العقيدة وشدة الإيمان تمنعان من الاعتراف بأن هناك أشكالا للتدين أفضل من أشكال أخرى، وأقرب إلى روح الدين وأهدافه الحقيقية، وأكثر مساهمة من غيرها فى تقدم المجتمع، وأكبر مساهمة فى إشاعة المحبة والوئام بين أصحاب الوطن الواحد؟ لا يجب أن تمنعنا قوة العقيدة وصدق الإيمان من الاعتراف بذلك. وهذا الاعتراف يقودنا إلى الاعتراف أيضا بأن عقودا طويلة من تطبيق سياسات اقتصادية حمقاء، وسياسات اجتماعية تفرق بين الناس بدلا من التقريب بينهم، ومن الاستبداد بالحكم وحرمان الناس من التعبير عن أنفسهم بحرية، أدت للأسف إلى تنمية ما أسميه «بالتفسيرات اللا عقلانية للدين»: تفسيرات متشددة أكثر من اللازم، وتساهم فى إثارة البغضاء بين الأديان المختلفة بدلا من التسامح والمحبة، وتقدم الدين للناس وكأنه كل الحياة وليس فقط جزءا مهما منها، وتعطى الأولوية لمراعاة جوانب شكلية فى الدين لا تساهم فى تقدم المجتمع.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق